يبدأ السيناريو الطبي بالشعور بتنميل ووخزات خفيفة لثوان أو دقائق قليلة في اليد
والرسغ أثناء ممارسة العمل في المكتب، وبعد شهور من تجاهل وإهمال تلك الأعراض،
يتطور الأمر إلى الشعور بألم حاد مفاجئ يضرب مفصل الرسغ
وينتشر سريعا صاعدا إلى الساعد،
فهل من الممكن إهمال ذلك الألم الشديد؟
الجواب هو بالطبع لا، فعلى الأغلب هذه أعراض متلازمة النفق الرسغي
(Carpal Tunnel Syndrome).
نفق رسغي
والنفق الرسغي عبارة عن نفق ضيق يقع في منطقة معصم اليد،
ومكون من عظام معصم اليد والرباط الرسغي المستعرض حيث يمثلان جدار هذا النفق.
ويحتوي هذا النفق على العصب الوسطي
( Median Nerve )
وأربطة وأوتار عضلات اليد والساعد التي تكون مغطاة بأغشية رقيقة،
ويعمل النفق الرسغي على حماية العصب الوسطي الذي يمر من خلاله،
الذي يتحكم في إحساس راحة وأصابع اليد جميعا ما عدا الخنصر
، كما يعمل على تغذية بعض عضلات الكف
الصغيرة بقوة الدفع لتساعدها على الحركة.
وفي حال حدوث التهاب أو انتفاخ أو تورم في أي من
الأنسجة الموجودة بالنفق الرسغي، يضغط هذا الانتفاخ أو الورم الحاصل
على العصب الوسطي،
مما يؤدي إلى الإحساس بألم وتنميل ووخز في الأصابع
وجزء من اليد الذي يقوم ذلك العصب بتغذيته. ويحدث أيضا ضغط على العصب
الوسطي نتيجة استخدام اليد في
العمل بطريقة خاطئة مما يؤدي إلى استمرار الضغط على
العصب الوسطي والإصابة بمتلازمة النفق الرسغي.
لا تدعو الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي الى القلق،
فمع العلاج يختفي الألم وتعود الأمور إلى طبيعتها.
لكن في نفس الوقت يجب عدم التهاون في العلاج لمدة
طويلة حتى لا تصبح الأعراض دائمة ويصعب الشفاء منها.
الأسباب
تصيب حالة متلازمة النفق الرسغي السيدات ثلاث مرات
أكثر من الرجال، وأكثر الإصابات تحدث بين عمر
30 – 60 عاما.
هناك عدة أسباب تؤدي إلى حدوث متلازمة النفق الرسغي
نتيجة الضغط على العصب الوسطي:
كثرة استخدام اليد والقيام بنفس الحركات المتكررة لليد
والرسغ بصورة مستمرة. لذلك تنتشر متلازمة النفق
الرسغي لدى الذين يتطلب عملهم ذلك مثل مستخدمي
الكومبيوتر لفترات طويلة، العاملين في الخياطة والتطريز،
لاعبي كرة اليد، الموسيقيين،
العمال الذين يستخدمون الحفارات اليدوية ذات الاهتزاز
العالي (Vibrating Hand Tools)
وكذلك عند الإصابة بكسور في المعصم أو حدوث إصابات
فيه، أو بسبب التورم والانتفاخ الناتج عن تمزق الأربطة.
كما تؤدي بعض الأمراض للإصابة بمتلازمة النفق الرسغي
عبر تسببها بضيق المجرى الذي من خلاله يجب أن يمر
العصب بحرية ومن دون أي ضغط عليه وما يحصل في
هذه الأمراض هو عمليات التهابات في أنسجة الأوتار
وغيرها من التراكيب المحيطة بمجرى العصب ما يؤدي إلى
انتفاخها وتورمها وبالتالي ضغط ذلك كله على العصب.
مثل التهاب الروماتويدي المفصلي،
وفي مرض السكري ونقص هرمون الغدة الدرقية وغيرها
من أمراض التمثيل الغذائي تقوم العمليات الكيميائية لهذه
الأمراض بنفس الفكرة في تضييق مجرى العصب فيتم
الضغط عليه. ينتشر حدوث متلازمة النفق الرسغي خلال الشهور الأخيرة
من الحمل نتيجة لاحتباس السوائل في
الجسم، والذي عادة ما يختفي بعد الولادة.
كما يصيب السيدات بعد انقطاع الدورة الشهرية لنفس السبب وهو احتباس السوائل في الجسم
، وتكثر الإصابة به مع
السمنة والزيادة في الوزن. وهنالك بعض الإصابات التي
تحدث من دون سبب معروف.
الأعراض والتشخيص
الشعور بألم ووخز وتنميل في اليد، يشمل جميع الأصابع
دون إصبع الخنصر
( الإبهام، السبابة، الوسطى، البنصر).
ينتشر الألم إلى الرسغ ثم يمتد إلى المرفق.
يزداد الألم والوخز أثناء الليل، الأمر الذي قد يؤدي إلى
الاستيقاظ من النوم. كما يزداد الألم كلما كثر استخدام اليد،
وقد يشتد الألم إلى الحد الذي يصعب معه تناول أو الإمساك
بالأشياء أو حمل الحقائب. كما قد يحدث ضعف في
عضلات الأصابع مع تأخر العلاج مع مرور الوقت وتصبح
قبضة اليد ضعيفة يصعب علاجها. وقد تكون الإصابة في
يد واحدة فقط أو في كلتا اليدين معا.
يتم تشخيص المرض من شكوى المريض، والفحص
السريري باستخدام طريقة معينة من قبل الطبيب يستطيع
من خلالها تشخيص المرض، وبمساعدة بعض الاختبارات
للعصب وعضلات اليد، كدراسة مدى توصيل الأعصاب
ودراسة كهرباء العضلات
( nerve conduction study and
electromyography )
وفي بعض الحالات يتم عمل أشعة عادية على رسغ اليد
لتشخيص التهاب المفاصل أو وجود كسر.
الوقاية
للوقاية من الإصابة بالمرض، إنقاص الوزن في حالات
السمنة، الاهتمام بعلاج أي مرض قد يسبب متلازمة النفق
الرسغي مثل مرض السكري، التهاب المفاصل الروماتويدي،
نقص هرمون الغدة الدرقية.
في حال كان العمل يستدعي استخدام اليد باستمرار، فيجب
محاولة عدم الانحناء أو مد أو لف اليد لفترات طويلة متصلة
فالتوقف لدقائق بين فترة وأخرى يساعد كثيراً على تجنب
الاصابه بالمرض ولا يجب العمل والذراع قريبة جدا أو
بعيدة جدا عن باقي الجسم مع محاولة التغيير بين اليدين
أثناء العمل، فلا يتم الاعتماد على يد واحدة فقط ، مع اختيار
أدوات مريحة ومناسبة لليد أثناء العمل. ويجب أخذ فترات راحة منتظمة
وباستمرار من الحركات اليدوية المتكررة
لإعطاء اليد والرسغ وقتا للارتياح.
إذا كان العمل يتطلب استعمال لوحة مفاتيح الكمبيوتر لفترة
طويلة، فيجب جعل مستوى الكرسي الذي يتم الجلوس عليه
مناسبا بحيث يكون مستوى اليد في نفس مستوى لوحة
المفاتيح. فلا تكون هناك حاجة لثني رسغ اليد أثناء الكتابة.
وعند الإمساك بشيء يجب استخدام اليد كلها وليس الأصابع
وحدها، مع الحفاظ على القيام ببعض التمارين البسيطة لليد
و الأصابع أثناء فترات الراحة.
العلاج
إذا كانت متلازمة النفق الرسغي نتيجة مرض ما مثل
السكري، الغدة الدرقية، إلخ.. فيجب البدء في علاج المرض
نفسه. يجب ممارسة رياضة المرونة والقوة تحت إشراف معالج طبيعي مع التدليك
لمنطقة الرسغ، واستخدام كمادات
الماء الباردة من الأمور التي تساعد كثيرا على التخفيف من
حدة الألم وتقوية عضلات اليد. كما يجب استخدام جبيرة
لتثبيت وإراحة الرسغ واليد لعدة أسابيع، وتستخدم أثناء الليل
ابتداءً فإن لم تحدث النتيجة المرجوة لتخفيف الألم يتم
ارتداؤها طوال اليوم.
أما العلاج الدوائي، فان من أهم الأمور العلاجية، السيطرة
على الألم وتخفيف الالتهاب الضاغط على العصب، لذا
ينصح الأطباء باستخدام أدوية مضادات الالتهابات غير
الستيرودية كالبروفين، الأسبرين. كما أثبتت بعض الأبحاث
أن فيتامين بي 6 يعطي نتائج جيدة في علاج أعراض
متلازمة النفق الرسغي. لكن ينصح بعدم تناول أكثر من 200 مليغرام يوميا
حتى لا يسبب ضررا في العصب.
وكذلك استعمال حقن كورتيزون (الستيرويد) عند رسغ اليد
في منطقة النفق الرسغي. وهو يعطي نتيجة سريعة في
اختفاء الأعراض، لكن قد تعود الأعراض مرة ثانية بعد
فترة، ولا يجب أن تعطى حقن الكورتيزون لمرضى
السكري إلا بإشراف الطبيب المعالج للحالة. ويمكن إعطاء
الستيرويد عن طريق الفم على شكل حبوب البريدنيزلون.
وفي حالات احتباس السوائل ينصح الأطباء بتناول مدرات
البول تحت الإشراف الطبى لتخفيف الاحتباس، وإزالة
الضغط عن العصب. كما يستخدم الليزر
(cold laser therapy ) لاختراق الجلد والأنسجة عند
رسغ اليد ويقوم بتحفيز العصب الوسطى وزيادة الدورة
الدموية في منطقة الرسغ دون الحاجة إلى جراحة.
أما العلاج الجراحي فيتم اللجوء له إذا فشلت جميع الحلول
السابقة وازدياد الأعراض سوءاً. وتختفي الأعراض غالبا بعد إجراء الجراحة مباشرة.
وهي جراحة بسيطة، تبلغ نسبة
نجاحها 85%.
وتتمثل الجراحة في قطع الرباط الرسغي المستعرض الذي
يكون سقف النفق الرسغي.
وبذلك يستطيع العصب الوسطي المرور بحرية تامة خلال
المجرى من دون أي ضغط.
و يتم استعمال اليد طبيعيا بعد الجراحة بأسابيع أو شهور
قليلة.
وتستخدم في ذلك إما الجراحة المفتوحة أو الجراحة
بالمنظار.