مدينة المائة عام ...( قـصـة )...

أكتب إليكم قصتي من مدينه قد زرتها مؤخراً في رحلة
سياحية ] (سائحية)وجدت من أمرها الشيء العجيب ..

أكثرما شد انتباهي فيها .. طريقة التعامل بين ساكنيها .. و" النفاق " الواقع بين أفرادها..

فـ أغلب سكانها كانوا من المحترفين الذين يجيدون التملق
والمراوغات ويتقنون الدسائس والحفر ..

فتجد الواحد منهم باسماً في وجهك ولا يتوانى بغرس سكينه في ظهرك فور إدبارك
له ...

في بداية زيارتي وعند أول دخول لي في هذه المدينة بهرني
جمالها وتنسيق شوارعها..

أخذت أجول و أتأمل شوارعها .. لاحظت أن شوارعها تقع في تباين شديد بين
ظلمة الزوايا واستقامة أنوار القناديل المضاءة فيها..

وفي كل موضع من هذ1 التباين تختلف فيه الرؤية لنفس المنظور .. إلا أن
زواياها المظلمة تعد أكثر ألفة وأمناً من استقامة خطوط الضوء فيها..

بينما كنت أسير في شوارع المدينه محاولة أن اكتشف أزقتها
الضبابية الضيقة..

قابلت شيخاً كبيراً تبدو على محياه علامات الحكمة والذكاء يداخلها الكثير
من علامات التعب والإرهاق ..

كان يجلس القرفصاء بين العتمة والنور.. وقفت عنده أتأمله لوهلة .. كان أشعث الرأس
طليق اللحية كثير تجاعيد الوجه رث الثياب

يحمل في إحدى يديه عصا واضعاً إياها بين رجليه وقد اسند ظهره إلي حائط احد
البنايات...

أنـــا: السلام
عليكم يا عماه

الشيخ
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

أنـــا: هل
تحتاج مساعدة ما ؟

ابتسم
الشيخ ابتسامه صفراء وقال: وهل وجدتني اطلبها ؟؟!

ابتسمت
له بخجل وقلت : ....لا....
لكني شعرت بأنك قد تحتاج مساعدة احد ما...

نظر نحوي وأمعن النظر مما جعلني أتحرك من مكاني بلاوعي
واندس في الظلال ..

ضحك الشيخ وقال: لا تهربي إلي الظلال فـ أنا
أعمى ...لا أراك..

تعجبت قوله واستطردت مستنكرة : إن كنت
أعمى البصر فكيف تسنى لك أن تراني وأنا أتوارى في الظلمة ..

اتسعت ابتسامته ثم قال : أعمى البصر أنا ولست أعمى
البصيرة

أنـــــا
: رفع الله عنك البلاء يا عماه ..

قاطعني
بحزم وعلى عجل
: بل أدامه ... بل أدامه

استغربت
رده فقلت له : عجباً هو أمرك .. أتدعو على نفسك بسوء الحال ؟؟!!

قال
الشيخ : بل الإبصار هو ما أصبح سوء حال في هذه المدينة

أنــا
: ماذ1 يزعجك في هذه المدينة .. والذي جعلك تدعو خالقك على
أثره بأن لا يرفع عنك ما ابتلاك به ..؟!

الشـيخ
: البلاء هنا قمة الرحمة

أنـــا
والفضول يقتلني : ما الذي أساءك هاهنا يا عماه
اخبرني فـ أنا لست سوى زائرة اعشق السفر وأهوى الترحال .. ولن تجد مني ضراً
في حديثك معي .. حدثني عنكم ..

ابتسم
الشيخ ابتسامته الصفراء وقال : كنت مثلك زائراً ولكني أضعت
طريق الخروج فـ اضطررت للبقاء ..وقد آثرت في بقائي أن أقوم بإصلاح بعض
الأمور في هذه المدينة ..

ولكن بعد مدة من الزمن أيقنت أن لا مجال في إصلاحها ..ووجدت أن الزمن قد
تقدم بي وان جسمي لم يعد يقوى على سفر أو ترحال..

أنــا
: كم تبلغ من العمر يا عماه ..؟

الشيخ
: ماذ1 يقول لك ِ مظهري ؟

أنــا
:قد تجاوزت ريعان شبابك منذ زمن
وقد أقحلت جنتك وهرم بدنك وقد هجرك فصل الربيع بغيرعودة ..

ابتسم
الشيخ قائلاً : قد وصفتي حالاً ولم تعطني عمراً
.. وكي لا أزيد في تشتيتك فـ إني ابلغ من العمر 30 عاما ..

صعقت من الخبر .. وذهلت من مظهره
ولولا ما رأيت منه من حكمة لقلت بأنه قد "هرف وخرف" ..

ولكني استشعرت في كلامه الصدق ورغم ذلك لم اخفي اندهاشي وتعجبي

فقلت
له مستغربه:
أحقاً... !! أنت في الثلاثين من العمر ؟؟!

فـ أومأ مجيباً أن نعم ...

أنــا
: قل لي ما خبرك يا سيدي فقد بلغ مني الفضول أقصاه !!

ابتسم
إلىّ متعاطفاً واسترسل في الحديث : قد ولدت في مدينه تدعى " الصادقين" تقع
في أقصى أطراف الكرة الأرضية ..

هناك عند الأفق .. حيث تلتقي الشمس بسطح مياه البحر فـ ترون منها الشفق ..
ترعرعت بين أروقتها ولهوت في حدائقها وعدوت وأنا أسابق الرياح على مروجها
..

وعندما اشتد عودي وقوي ساعدي وتفتل زندي عزمت الرحيل لاكتشاف العالم حولي
.. فلملمت بضائعي وأغراضي وجهزت عدتي وعتادي بنيه السفر والتجوال ..

سافرت إلى مدن كثيرة وواجهت مغامرات مثيرة وعشت أحوالا متغيره بين
الرفاهية والرغد والانقطاع والفقر المدقع.. إلى أن وصلت إلي هذه المدينة
وحططت رحالي فيها..

وقد جذبني فيها تباينها الشديد بين سحر أضواءها وهدوء ظلمتها.. ففي كل حال
لها جمال ..

ظللت أجول في شوارعها وأتحدث مع هذ1 وابتسم لذ1ك ولكني وجدت بعد برهة من
الزمن أن لكل شخص من ساكنيها تباين يزامن تباين مدينته ..

فـ أخذت ارقبهم وأراقب تحركاتهم فوجدتهم يسنون سكاكينهم في النهار
بأسنانهم الحادة كي يغرسونها في ظهور غيرهم في الليل ..

يجيدون فن التملق حد الثمالة .. ويتفننون في رسم الخطوط الملتوية بمراوغة
قلّ نظيرها ..

وبسوء تقدير مني عزمت أن أكون أول المخلصين .. وقررت المكوث بغرض إصلاح حال
بعضهم ولكني لم افلح في ذلك بل إنني فشلت فشلاً ذريعاّ

فكما تعلمين أن " الكثرة تغلب الشجاعة دائماً " .. وقد
غلبتني كثرتهم وربما قد نقصت شجاعتي أيضا ..

حينها أخذت ابحث عن طريق للخروج والهروب من هذه المدينة ولكني وجدت نفسي
عالقاً في دائرة مفرغة أدور فيها بلا فائدة ولا مخرج ..

وعندما سقط في يدي وأيقنت باستحالة الخروج أخذت ادعوا الله بان يأخذ بصري
ويريحني مما أراه كل يوم بل كل دقيقة .. و الحمد لله الذي استجاب لدعائي
وكفاني شرالفتن

أنــا
: وماذ1 بشأن عمرك ؟؟!! لما تبدو شيخاً هرماً و أنت في
ريعان الشباب ؟؟!!!

الشيخ
: لأن الزمن في هذه المدينة لا يتبع أي نظام أو قانون
تعلمناه ولا يقاس حتى بسرعة الضوء .. الوقت هنا يقاس بالأعوام وليس
بالساعات فكل ساعة في هذه المدينة تعادل عام خارجها ..

وكل من يرفض الانخراط فيها والتعامل مع سكانها يبقى خارجاً منها حتى
وان كان يسكن وسط دهاليزها ..

هذه المدينة لا تظهر إلا مرة كل مائة عام لتسمح لأمثالي وأمثالك من هواة
التجوال باكتشاف معالمها ..مع حبسها إياهم داخلها وإلزام شتاتهم فيها ..

أنـــا
: هل تقول بأن لا أمل لي في الخروج منها ؟!!!

الشيخ
: اجلس أنا هنا بين العتمة والنور على ذلك الأمل منذ أمد
بعيد ولم أجد مخرج أبداً اعتقد أن للمدينة مدخل فقط ولا يوجد لها أي مخرج
..

أنــا:
هل بحثت عن المخرج ولم تجده..؟؟

الشيخ
: بحثت و بحثت و بحثت ولم يسفر بحثي عن شيء فكلما
ذهبت للبحث رجعت بخفين باليين ..

أنــا
(بصدمة وخوف ) : وما العمل إذاَ ؟ فـ أنا لا
أطيق صبراً في أن أمكث بـ هذه المدينة أو أن أتعامل مع ساكنيها .. أين أجد المخرج دلني
أرجوك...؟

الشيخ
: عليك بالدعاء .. عليك بالدعاء.. بأن يرحمك الله بفقد
البصر إلى أن يكتب لنا من امرنا مخرجاً ومن همنا فرجاً ..

أنـــا
: لن ادعوا على نفسي بسوءٍ أبداً .. بل سأدعو الله أن
يفرجها عني وعنك ويخرجنا من هذ1 الجحيم ..

الشيخ
: إذاً اندسي بنصف جانبي المظلم كي لا يراك احد ويلوث طهر
نيتك .. ولكني أحذرك ففي هذ1 الجانب أنتِ ترين الجميع على الرغم من عدم
رؤيتهم لك ِ ..

أومأت برأسي له باني فهمت
التحذير ودخلت إلي جانبه المظلم .. شعرت أن هناك أُشخاص كثر يقبعون في
الظلام معي..

انتظرت إلى أن سكنت نفسي وقوي بصري فـ أخذت ارقب معاملات الناس تحت بقعة
الضوء .. صدمني هول ما رأيت وساءني منظر وحال من في هذه المدينة ..

أخذت أراقب الخيانات والوشايات والمراوغات وتبعثر الأشلاء وتناثر الدماء
على حوائط الأبنية .. لما لم أرها قبلاً ؟؟!!

هل لأني كنت معهم تحت دائرة الضوء ؟؟!!..

أخذت ارتجف خوفاً وجزعاً وأنا
أرى البعض وهم يشربون دماء بعضهم وينهشون لحوم

غيرهم بأسنانهم المدببة والدماء تسيل من جوانب أفواههم وتقطر على ملابسهم
وهم سعداء يبتسمون لا..لا..لا ...بل يقهقهون..

قلت في نفسي : أين أنا ؟؟! أفي مدينة أم
غابة ؟؟!!

فحتى الغابة تحكمها قوانين قد تكون ارحم من قانون هذه
المدينة .. راعني ما رأيت فلم يكن

مني إلا أن وضعت يدي على عيناي وقلت : اللهـم إني ادعوك بأن تأخذ بصري ..

اللهم ارحمني وخذ مني بصري .. وظللت أكررها إلى أن مــنَّ الله علي برحمته
..

أرجوا كل من قرأ هذه القصة أن يدعو لي في ظهر الغيب ..

ما تنسو التئييم

اشكرك ساندريلا جزيل الشكر على القصة المعبرة

بالعفل ما يراه الناس امامهم يرونه بشكل مغاير من خلفهم

بارك الله بكي اختنا الكريمة

تحياتي الك

فعلا القصة حلوووووووة
مرسي ليكي
مشكوررررررة

» قـصـة حبيبين لـهـا العجبـ
» مسابقة جديدة سرقة المائة جنيه روووووووعه ..
» مدينة من البرتقال
» مدينة ملقا الاسبانية
» مدينة أسمها البال؟؟؟...

~~ مدينة المائة عام ~~...( قـصـة )...

مدينة المائة عام ...( قـصـة )...