اسرار ترتيب القران
بقلم الباحث عبد الله جلغوم
مقدمة
اهتم المسلمون ومنذ القرون الأولى بالعدد القرآني، وقد ذكر الدكتور غانم الحمد محقق كتاب "البيان في عد آي القرآن" لأبي عمرو الداني، ذكر 36 كتاباً في علم العدد القرآني، ابتداء من كتاب العدد لعطاء بن يسار المتوفى سنة 103 هجرية، وانتهاء بكتاب زهر الغرر في عدد آيات السور لأحمد السلمي الأندلسي المتوفى سنة 747 هجرية.
إلا أن هذا الاهتمام لم يتطور عبر العصور ليعطي النتائج المرجوة. فالقرآن كلام الله العظيم الذي خلق الكون وأبدعه، وأحصى كل شيء عدداً، فالمتوقع أن يكون هذا الكتاب على خلاف ما يعهد من كتب البشر القاصرين. من هنا فقد آن الأوان لنتعامل مع القرآن الكريم بما يليق بجلال مُنَـزِّله، وعظيم إعجازه. فهو المعجزة الفكرية المتصاعدة بتصاعد الوعي البشري، فالناس اليوم هم أقدر على النقد والتقييم بما أوتوا من العلوم الحديثة والوسائل المعاصرة.
اختلف العلماء في ترتيب السور القرآنية، فذهب الجمهور إلى أن ترتيب السور توقيفي، أي من فعل الرسول عليه السلام وحياً. وذهب البعض إلى أنه من اجتهاد الصحابة، وذهب السيوطي إلى أن الترتيب هو توقيفي باستثناء سورة التوبة والأنفال، ومن يتتبع الأدلة التي جاء بـها من قال أن الترتيب من اجتهاد الصحابة يجد أنـها لا تقوم بـها حجة، ولا يستقيم على أساسها دليل، وليس هذا مقام التفصيل، ولكننا لاحظنا أن القول بعدم توقيفية الترتيب يقوم على أدلة غير صريحة، في حين يقوم القول بتوقيفيّة الترتيب على أدلة صريحة.
ترتيب مذهل!
القرآن الكريم 114 سورة، إذا قمنا بجمع الأعداد الخاصة بترتيب السور هكذا نجد العدد التالي:
1+2+3+.......+114 = 6555
وهنالك قاعدة في الرياضيات لحساب هذا المجموع وهي:
العدد مضافاً إليه 1 مضروباً في نصف العدد الأصلي، أي:
114 + 1 × 114 ÷ 2 =
115 × 57 = 6555
والسؤال هنا : هل لـهذا المجموع 6555 علاقة بمجموع آيات القرآن الكريم، والذي هو 6236 آية؟
هناك 60 سورة زوجية الآيات، مثل: البقرة 286 آية، والنساء 176 آية….إلخ؛ بالتالي يكون عدد السور فردية الآيات هو 54 سورة مثل الفاتحة 7 ، التوبة 129 ….إلخ.
السور الزوجية ال 60 تنقسم إلى 30 سورة رقمها في ترتيب المصحف زوجي، و 30 سورة ترتيبها فردي.
أما السور الـ 54 الفردية فتنقسم إلى 27 سورة رقمها في ترتيب المصحف فردي، و 27 ترتيبها زوجي، وهذه نتيجة للتوازن السابق. كما يلي:
عدد سور القرآن الكريم هو: 114 سورة
سور عدد آياتها زوجي سور عدد آياتها فردي
60 54
سور ترتيبها زوجي سور ترتيبها فردي سور ترتيبها زوجي سور ترتيبها فردي
30 30 27 27
يترتب على ما سلف أن يكون هناك 57 سورة متجانسة، أي زوجية الآيات زوجية الترتيب، وفردية الآيات فردية الترتيب، مما يعني أن هناك أيضاً 57 سورة غير متجانسة.
والآن: إذا قمنا بجمع أرقام السور المتجانسة، وأضفنا إليها عدد آيات كل منها، فسنجد أن حاصل الجمع هو 6236 وهذا هو مجموع آيات القرآن الكريم.
وإذا قمنا بجمع أرقام السور ال 57 غير المتجانسة، مع عدد آيات كل منها، فسنجد أن حاصل الجمع هو 6555 وهذا هو مجموع أرقام سور القرآن الكريم من 1-114 .
بهذا يثبت أن هناك علاقة بين رقم كل سورة وعدد آياتـها، بحيث يكون لدينا إحداثية تقتضي ارتباط رقم السورة بعدد آياتـها، وارتباط هذا بكل سور القرآن الكريم.
هذا ينطبق على كل سورة من السور ال 114 وعلى ضوء ذلك إذا قمنا بحساب احتمال المصادفة وفق نظرية الاحتمالات، فسوف نجد أنفسنا أمام عجيبة من عجائب القرآن الكريم، تُثبت أن ترتيب السور وعدد الآيات هو وحيٌ من الله العزيز الحكيم:
114+1 × 60 ÷ 2 = 3450
114+1 × 54 ÷ 2 = 3105
المجموع = 6555
من الأمور المدهشة أن نجد مجموع أرقام السور 60 الزوجية في القرآن الكريم هو 3450 ، وبالتالي يكون مجموع ترتيب ال 54 الفردية هو 3105 ، لأن المجموع الكلي لا بد أن يكون 6555 لأن:
114+1 × 114 ÷ 2 هو في حقيقته 114+1 × 60 + 54 ÷ 2
نقسم سور القرآن الـ 114 إلى قسمين:
1-57، 58-114. إن الأرقام الفردية في النصف الأول هي 29 رقما، وبالتالي تكون الزوجية 28 أما في النصف الثاني فتكون الأرقام الفردية 28 وبالتالي تكون الزوجية 29.
السور المتجانسة في النصف الأول هي 28 سورة، وغير المتجانسة 29 سورة. وفي النصف الثاني يكون عدد السور المتجانسة 29 وغير المتجانسة 28.
إن السور زوجية الآيات في النصف الأول من القرآن الكريم هي 27 سورة، وبالتالي تكون السور الزوجية في النصف الثاني 33 سورة، وأن مجموع آيات السور الزوجية ال 27 في النصف الأول هو 2690 وهو مجموع أرقام ترتيب السور الزوجية ال 33 في النصف الثاني.
114 = 19 × 6 = 60+54
57 = 19 × 3 = 30+27
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فلا بدّ أيها القارئ الحبيب أنك تأثرت كما تأثرتُ أنا بعظمة هذا الإحكام وعظمة هذه التناسقات العددية، التي لم تكن لتأتي بالمصادفة العمياء. فتأمل معي كيف أن الله سبحانه وتعالى جعل التوازن في كل شيء في كتابه المجيد.
فكما نعلم لا يوجد نظام لعدد آيات كل سورة من سور القرآن، وهذا ما يظنه البعض، بسبب عدم وجود ترتيب ظاهر في عدد آيات كل سورة. فمثلاً عدد آيات أول سورة في القرآن هو 7 آيات ثم تأتي السورة الثانية وعدد آياتها 286 ثم السورة الثالثة وعدد آياتها 200 وهكذا لا نرى نظاماً ظاهراً.
ولكن الشيء الجديد الذي يقدمه هذا البحث هو إثبات وجود نظام عددي لعدد آيات كل سورة من سور القرآن. وأن هذا النظام سيختل لو تغير ترتيب السور أو عدد آياتها، مما يدل على أن الله حفظ كتابه رسماً ولفظاً وتلاوة وترتيباً.
ولاحظ معي كيف أن السور ذات الآيات الزوجية جاءت منقسمة إلى قسمين متساويين، لنجد أن عدد السور ذات الترتيب الزوجي هو 30 وعدد السور ذات الترتيب الفردي هو نفس الرقم أي 30. فتأمل هذا التوازن العددي، هل هي المصادفة أم الترتيب الإلهي؟!
ولاحظ معي أيضاً العلاقة بين عدد آيات القرآن 6236 ومجموع أرقام سور القرآن 6555، وعلاقة كل ذلك بالسور المتجانسة (أي التي عدد آياتها ورقمها متجانس: فردي-فردي، أو زوجي-زوجي) وغير المتجانسة (أي التي عدد آياتها ورقمها غير متجانس: فردي-زوجي، وزوجي-فردي).
وأخيراً جزى الله خيراً صاحب هذا البحث الشيق ونرجو منه تقديم المزيد بما يثبت أن القرآن ولو أنه رُتّب باجتهاد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إلا أن الله عز وجل هو من ألهمهم أن يرتبوه بهذا الشكل المعجز، فهو منزِّل الكتاب وهو لا يسمح لأحد من خلقه أن يغير فيه شيئاً، فالكتاب كتابه وهو يفعل ما يريد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين