من يوميات زوجين

موضوع: من يوميات زوجين 08.01.08 15:18

سحب طرف الخيط بالسبابة والإبهام كأنه يلتقط شعرة زوجته من طبق الأرز.كان جالساً على طرف السرير ويفتح رجليه بطريقة غير مهذبة، ومن بين أربعة مصابيح موزعة في سقف الغرفة لم يعد سوى مصباح وحيد يضيء ويلقي خطاً من الظل على وجهه فيقسمه نصفين. باب الحمام الخاص بغرفة النوم كان موارباً، فلمح من بعيد الماء ينساب على ظهر زوجته ومؤخرتها الكبيرة. الماء المتدفق من أعلى بقوة يحدث وشيشاً يؤكد حالة الصمت.الساعة الآن تجاوزت منتصف الليل وزوجته عادت من الخارج منذ قليل، لابد أنها توقعت أن يسألها ويلومها: لماذا تأخرت؟ نبهتك عشرين ألف مرة آخر موعد لرجوعك الحادية عشرة. لا يريد أن يأكل الجيران وجهه بنظراتهم الخبيثة.
كان صامتاً لم يقل أي شيء. جر الخيط بإصبعيه منحه شعوراً بالمتعة والهدوء الروحي. حتى خطوط الماء وهي تلمع على جسد زوجته لم تعد تثيره كما يحدث عادة.لا يتذكر منذ متى بدأ هواية جر الخيط، بمجرد أن يرى طرفه نافراً..وحيداً.. بعيداً.. عن نسيجه، تتحرك يده لاشعورياً، يسحبه من رأسه ويجره .. ينز في يده ..يكر..يكر.. إلى ما لانهاية مع انه توقع أن ينقطع منه في أية لحظة، أو على الأقل يتوقف عند الجذر.. عند العقدة الأولى، لا بد أن هناك غرزة محكمة ستوقف جريان الخيط بين يديه بهذه السهولة. خيوط شرشف السرير تبدو فرحة وكأنه حررها، تحل بعضها بعضاً بسرعة غريبة وتتجمع كلها في خيط وحيد لا أول له ولا آخر، ينز بين السبابة والإبهام إلى ما لانهاية، لو استمر سيتلاشى الشرشف كله ويصبح مجرد خيط أحمر بطول العمارة أو السكة الحديد التي يعمل مهندساً بها.. بطول عمره.. نعم.. بطول عمره الذي لا يعبأ بما مضى منه ولا ما تبقى.
تضايق حين سمعها تضحك فجأة كعاهرة وتسأله بدلال:
ـ مؤخرتي حلوة؟
صحيح انه غاضب منها، لكنه شعر بالإثارة من سؤالها وضحكتها العابثة.احتفظ بمسافة باردة وقال من دون أن يتطلع إليها:
ـ حلوة.
افتعلت أنها غاضبة وقالت:
ـ المفروض انك تقول "حلوة جدا"
هز رأسه وتنهد بعمق، كان يدرك من ظلها الذي يمر بالباب أنها تقترب منه، فرد غير مبال:
ـ حلوة جداً.
ـ سمعت إن في اسفنج يكبر المؤخرات.
منذ أسبوع حدثته أنها ترغب في تكبير صدرها، والآن اسفنج.. لا يفهم سر هذا الهوس المفاجئ بتكبير أجزائها.. حذرها من مخاطر عمليات التجميل، وحكى لها عن الممثلة التي ماتت أثناء عملية تجميل.
سحبت نفساً عميقاً وأطلقت زفيراً عنيفاً من فمها:
ـ أيام الخطوبة قلت لي إنك تحب "ستايل" ليلى علوي!
انحنت عليه وقبلته في جبينه، فأمطره شعرها برذاذ الماء العالق بأطرافه، أحس برائحة الصابون تغمر صدره وتثيره لكنه قاوم أن تخرج منه أي إشارة تدل على الرغبة، وتلهى بسحب الخيط المنساب.. في لذة.
ـ آسفة يا حبيبي.. العملاء أخروني في الشغل.
جرجر كمية كبيرة من الخيوط تراكمت بين رجليه، وأي شخص سيلحظها على الفور لكن زوجته لم تعلق، ربما رأتها ولا تريد تعكير مزاجها بالجدل المعتاد قبل النوم. جلست على سريرها الخاص قبالته وانشغلت بتجفيف شعرها بالمنشفة الوردية. ظل في مكانه وان انحنى رأسه قليلا كأنه يوشك على النوم. أليست هذه الشقة كبيرة جداً على زوجين لا ينجبان أطفالاً ويعيشان لمجرد تسديد عشرات الفواتير شهرياً؟ لماذا يستمران في الحياة معاً برغم المشاكل الكثيرة، كل يوم تتأخر لأن العميل كان ثقيل الظل أو مدير الشركة فاتحها في مشروع جديد ستنال من أرباحه نسبة،وقبل أسبوعين حذرها لأن الكوافيرة التي تتعامل معها على الناصية سمعتها بطالة، فردت عليه إنها أحسن واحدة تعمل"بوستيج".
كل يوم تصحو وتزعق وتصرخ لأنه أحال الشقة إلى أكوام من خيوط رفيعة ملونة، تتعثر فيها في الصالون والردهة وحتى في غرفة النوم. والمشكلة أنه لا يدمر إلا الشراشف والستائر العزيزة على قلبها.توقع أن تسأله وجها لوجه: لماذا أنت حاقد على الأشياء التي أحبها؟..ليرد السؤال بسؤال.. لماذا أنت لا تسمعين كلامي وتعاندين على الفارغة والملآنة؟!
اعتاد أن ينتظر عودتها من الخارج حتى ساعة متأخرة من الليل، ويستسلم صدره لوخزات ورغبات متناقضة، صحيح أنها دائماً تتصل به على الموبايل وتخبره أنها في المكان الفلاني و ستعود في الموعد المحدد، لكن من يضمن أنها فعلاً في هذا المكان؟ وماذا تفعل؟ لماذا لا يجرؤ على مراقبتها والخروج وراءها؟ هل لأنها تدفع أكثر في مصاريف البيت؟ لو ناقشها وجهاً لوجه وصارحها بكل ما يدور في رأسه ستقول له أنت إنسان شكّاك وتغير من نجاحي وتريد تحطيم سمعتي، يعرفها حين تثور تصبح كالإعصار وقد تهدم البيت فوق رأسه وتخرج و لا تعود أبداً.ليس لديه أي دليل على الظنون التي تساوره، صحيح إن ثقتها في نفسها عالية،ومعجبة بأنوثتها أكثر من اللازم، لكن هذا لا يعني الشك في سلوكها.من الطبيعي أن أي رجل سيعجب بامرأة مهتمة بأنوثتها وفي الوقت نفسه ناجحة وواثقة من قدراتها.في أحد الأيام قالت له إن العميل سلم عليها وضغط يدها بطريقة غير لائقة، لو كانت إنسانة متساهلة مع الآخرين لما حكت له هذه الواقعة.. ربما أرادت أن تثير غيرته وتشعره أنها مرغوبة خصوصاً أن أسابيع تمر دون أن يضمهما سرير واحد كرجل وامرأة. لماذا تحكي له هذه التفاصيل البسيطة .. التفاصيل اللعينة..لتشعل النار في صدره؟ مع تكة مفتاحها في باب الشقة كان قد انتهى من تفكيك مفرش الطاولة الصغيرة في الصالون وأحاله إلى كومة هشة من الخيوط.ثم وضع قدميه فوق الطاولة العارية ممدداً في استرخاء وهو يتابع فيلم" الخيط الرفيع" وسأل نفسه لماذا لم يشاهده كاملاً أبداً؟ أفلام كثيرة لا يشاهدها كاملة، أو يسرح أثناء متابعتها وينسى ما حدث فيها، ولو سأله أحد: هل فاتن حمامة كانت خائنة في الفيلم أم لا؟ لن يعطي إجابة صحيحة.
تنهد بعمق حين رآها تبتسم له من بعيد، بمزاج رائق وتغمز له بعينها اليمنى.. يحب شقاوتها المباغتة.. للوهلة الأولى تصور أن نصف وجهه مسود ويشيح عنها.. دعته إلى عشاء فاخر،كانت تحمله في يدها.غمرت رائحة الكباب زوايا الشقة. تكره صمته الطويل أثناء تناول الطعام، ولا تعرف لماذا يهز رأسه فجأة بعصبية ويضغط على أسنانه، فيما يفكر غاضباً؟ أليس الأفضل لو مد يده إلى فمها بقطعة كباب مداعباً؟ لو فعل هذا لن تمانع في لعق أصابعه المتسخة. يأكلان صامتين كأنهما يتحفزان لمعركة مقبلة، وانشغل عنها بمطالعة عناوين الصحيفة الملوثة بدهن الكباب، علق على "مانشيت" بأن كتلة الإخوان ال88 في مجلس الشعب تحذر الحكومة من غلاء الأسعار، وهي تهكمت لأن الإخوان.. دائماً.. يحذرون الحكومة ومع ذلك لا يحدث شيء، والدليل إن سعر البيضة الآن تسعون قرشا.قال:
ـ العيب في حكومة اللصوص وليس في الإخوان.
أخبرته متهكمة أن الإخوان كل همهم حبس المرأة في البيت لكنهم بكل قوتهم لا يستطيعون منع ارتفاع سعر بيضة واحدة.. لماذا تتهكم عليه وتسفه كلامه كلما تحدث في السياسة؟ .. لماذا يصر أنه يفهم في كل شيء ويريد منها أن تنصت ولا تتكلم؟.. كل همها أن تسرح المرأة في الشارع ويعجب بها كل من يلقاها.. هو مأزوم من الحكومة منذ أن تخطته الترقية.. زميله قال له يوماً: إذا أردت أن تسير امرأتك مثل القطار ولا تحيد عن السكة الحديد ضع لها رقيباً في كل محطة يعد عليها الأنفاس.. قالت في نفسها: مهما كنت واضحة معه، لا يقدر أي شيء.. ولن يثق بي أبداً.. ثم وقفت فجأة وقالت بعصبية:
ـ أنا شبعت.
كل شيء اختلف.. تغير إلى الأسوأ بمرور الزمن.. جدار من الصمت الكئيب يعلو ويعلو بينهما. ومحاولة الاقتراب تزيد الأمور تعقيداً وتؤكد كل يوم على فشل العلاقة.
ـ وأنا شبعت.
كانا واقفين متحفزين مثل ديكين في حلبة مصارعة.. متوترين مشدودين.. يفصل بينهما نصف متر لكن جبلاً من الكراهية والغضب والحقد انتصب فجأة، من دون أن ينتبه انتفض جسده مرات ودفع بيده بكل العنف طاولة الطعام فانتثرت أصابع الكباب المتبقية في أرجاء الصالة.شهقت وحدقت وأطبقت شفتيها في آخر لحظة قبل أن تبصق عليه.
في الأيام التالية كان الصمت، التلفزيون مغلق.. لا موسيقى.. لا دخان ولا روائح في المطبخ .. حتى اللمبات التي احترقت لم يفكر أحد في تبديلها..يعود في التاسعة مساء ويجلس مع الخيط يجره إلى ما نهاية، بوتيرة أسرع وبعصبية تفقده متعته القديمة. كانت ملتزمة تماماً بالعودة في الحادية عشرة وحين يمر عطرها أمامه يعاود هز رأسه إلى أسفل بعصبية ويضغط على أسنانه حتى تصدر صوتاً.
لاحظ أن مؤخرتها ازدادت امتلاء فجأة، وصدرها ارتفع إلى أعلى، وأطالت شعرها بخصلات متموجة بعد أن صبغته كله باللون الأصفر الذهبي. ما إن تعود إلى الشقة حتى تتجول بملابسها الداخلية وتلملم المفروشات والأغطية والستائر المعلقة وتضعها أكوام أمامه في الصالة كي يمارس هوايته. تراقبه من بعيد ويدها في خصرها، بينما ينشغل بطرف عينه برؤية النصف المسود من وجهه. لم يخبرها أنه سمع شائعة منتشرة هذه الأيام في الشركة عن رجل أعمال من الإخوان عرض عليها أن يتزوجها عرفياً إذا تطلقت منه ويعينها مديرة العلاقات العامة لشركاته كلها. وهي لم تخبره أنها عرفت منذ يومين بأنهم نقلوه إلى محطة قطارات بعيدة لعدم الكفاءة.
أطفأت المصباح الوحيد المتبقي في الصالة ونزعت عن جسدها آخر قطعة ملابس ثم وقفت أمامه، بينما انحنى تحت قدميها وأمسك طرف خيط وراح يدور به حول كعبيها المضمومين الملتصقين.. يدور بالخيط حول ساقيها وركبتيها وأعلى.. يسحب الخيط بمهارة فائقة وحماس ويلفه دوائر حول جسدها، يغطي بخيوط الحرير الكثيفة مؤخرتها الممتلئة ثم يسحب طرف الخيط بخفة ولذة ويصعد به نحو الخصر، يشده بقوة حتى لا يترك ثقوباً أو فجوات ويضمه إلى بعضه البعض بكل خبرته كمهندس يدرك كيف تتساوى الخيوط، يحيكه ويحبكه من دون إبرة ويطرزه كأنه ثوب حريري عشق الجسد وذاب على تضاريسه علوأً وانخفاضاً، وضغط على الثديين النافرين لكنها لم تتأوه كما توقع.. لم تهتز في وقفتها برغم شل حركة اليدين والقدمين. أصابته لذة ونشوة مضاعفة وهو يشعر بالخيط مازال وفيراً يجر بعضه بعضاً ويصعد إلى يده سريعاً. أصابعه تلتف حول رقبتها وتنزلق وتصعد. بدت كأنها تمثال من حرير قد يسقط بين يديه في أية لحظة، انتبه فجأة حين تلاقت العيون إلى أنها غيرت لون عينيها إلى الأزرق. سوف يخيط عينيها اللعينتين بالإبرة حتى لا تغمز بهما إلى رجل آخر بعده.

موضوع: رد: من يوميات زوجين 28.01.08 7:35

قصة في منتهى الروعة

صورتها لنا بإتقان جميل جدا

حتى أنني عشتها لحظة بلحظة

وعشت معها طعنات هذه الدنيا التي لا تعطي كلٌ منا مبتغاه

قلم قصصي أعتز به كثيراً

سلمت الأيادي و سلم هذا الفكر و الخيال الخصب

تقبل تحياتي و تقديري

در الشوك ب

موضوع: رد: من يوميات زوجين 28.01.08 14:21

صباح النور الفاضلة

درب الشوك

سرني مرورك كثيرا سيدتي وأخجلني مدحك يا فاضلة

ودي وودادي .

موضوع: رد: من يوميات زوجين 29.02.08 5:39

قصه رائعه اخي عمر

بانتظار جديدك

تحيااااااااااتي لك

موضوع: رد: من يوميات زوجين 29.02.08 21:34

أهلا الفاضلة : رؤى

سرني حضورك سيدتي
ألف شكر لك