عمليات المعدة للتخسيس .. قد تقود إلى تبعات صحية خطيرة حينما تصل أرقام المرضى الخاضعين لعمليات شد المعدة لإنقاص الوزن إلى مستويات عالية، فإن المراجعة العلمية لمن يجب أن تُجرى لهم ولجدواها الصحي، بالمعنى الواسع للكلمة، تُصبح ضرورة. وفي التاسع من أكتوبر الحالي أعلن "المجمع الأميركي لعمليات المعدة للتخسيس "أن أكثر من 177 ألف شخص خضعوا لهذه العملية خلال عام 2006 فقط، وفي الولايات المتحدة وحدها. وهو يعني، بحسب ما قال المجمع، زيادة بنسبة 480% عما كان عليه العدد في عام 2000! هذا من دون الأرقام الاخرى غير المتوفرة، لعدد من تُجرى لهم هذه النوعية من العمليات الجراحية في بقية مناطق العالم المختلفة.
عمليات ووفيات وتأتي هذه الإحصائية بعد بضعة أيام من صدور دراسة، من نوع الزوبعة، للباحثين من جامعة بيتسبرغ بالولايات المتحدة، والتي قالت بأن الوفيات، فيما بين منْ أُجريت لهم عمليات المعدة للتخسيس، أعلى بالمقارنة مع ما هو حاصل من وفيات بين الناس الآخرين، المماثلين لهم في العمر والجنس. وعلى وجه الخصوص فإن الوفيات بأمراض القلب والانتحار أعلى مما هو متوقع بشكل طبيعي في الناس عامة.
ووفق ما نشرته مجلة أرشيفات الجراحة الأميركية في عدد أكتوبر، فإن المتابعة والمقارنة لحوالي 17 ألف شخص ممن خضعوا لهذه العملية في الفترة ما بين عام 1995 وعام 2004، مع أمثالهم من الناس، دلت على أن الوفيات بأمراض القلب أعلى بحوالي 11 ضعفا، وبالانتحار بحوالي 5 أضعاف، مقارنة بالناس العاديين وممن في نفس العمر!
وإن كان الباحثون في هذه الدراسة قد حاولوا تخفيف وقع الأمر بالقول إن السبب ليس هو العملية الجراحية بل هي السمنة وآثارها الضارة المستمرة لدى هؤلاء الأشخاص حتى بعد العملية، فإن المراجعات العلمية لهذه الدراسة ولدراستين صدرتا في أغسطس الماضي تُخبرنا أن الأمر لا يُمكن لوم السمنة بالتسبب فيه وحدها. كيف والعملية بالأصل يُنصح الناس بها كي تُخفف عنهم الآثار الضارة للسمنة، وأول الضرر الواجب الإزالة أو الخفض بين ذوي الوزن الزائد هو ارتفاع الوفيات!.
هذا، ومع العشوائية التجارية البحتة والإغراء المُمارس على الكثيرين، ممن يجب أن لا تُجرى لهم تلك العملية بالأصل وممن لا تنطبق عليهم شروط الإرشادات الطبية لدواعي الخضوع لها، يُصبح من الضروري وضع شيء من "الفرملة" على هذا الإقبال البرئ من المرضى والمبني على الثقة في نصائح منْ يُجرونها.
وفيات من بنسيلفينياوكان الباحثون من جامعة بيتسبيرغ في ولاية بنسيلفينيا ومن كليفلاند كلينك في ولاية أوهايو قد نشروا دراستهم التي شملت جميع منْ أُجريت لهم أحد أنواع عمليات المعدة للتخسيس من سكان بنسيلفينيا فيما بين يناير 1995 وديسمبر 2004. وتمت مقارنة أعداد وأسباب الوفيات فيما بين هؤلاء وبين أقرانهم من الناس العاديين. وتحليل أنواع أسباب الوفيات ومدى علاقتها بالعمر والجنس.
وتبين بالجملة أن 2.6% منهم تُوفوا، وهو أعلى من المعدل الطبيعي للوفيات عموماً. وتحديداً لاحظ الباحثون أن الوفيات كانت أعلى بين منْ كانت أعمارهم تتراوح بين 25 و 34 سنة. وأن من بين منْ أُجريت لهم عملية المعدة الجراحية، بلغت وفيات الذكور عموماً في كل عام حوالي 14 وفاة لكل ألف شخص منهم، وهو أعلى من النسبة المتوقعة عادة للوفيات السنوية لكل ألف شخص من الذكور العاديين، والتي تبلغ 1.3%.
أي أن العدد هو حوالي 11 ضعفا! وبلغت وفيات النساء 5 وفيات لنفس العدد والمدة، مقارنة مع العدد الطبيعي البالغ 0.6%، أي 8 أضعاف! وكانت الأسباب الأعلى للوفيات هي أمراض شرايين القلب والانتحار. ونسبة الوفيات بسبب أمراض القلب بلغت بين هؤلاء حوالي 20%، وهي أعلى من نسبة الوفيات بأمراض القلب بين عامة الناس. وتحديداً بلغت نسبة عدد الوفيات بحالات الانتحار 5 أضعاف ما هو متوقع بين الناس الطبيعيين. ونسبة النساء المُقدمات على الانتحار بلغت 60% بينهم.
ولاحظ الباحثون أن عدد الوفيات يرتفع لدى التقدم في العمر، أي فوق سن 65 سنة. وأن مُعدل العمر لمنْ خضعوا للجراحة عند إجرائها كان 48 سنة.
عذر أقبح من ذنب وحاول الباحثون، من دون الدخول بتعمق في تعليل هذه النسب العالية للوفيات بين منْ أُجريت العملية لهم، إلقاء اللوم مرة أخرى على السمنة، وليس على "شيء ما" في هذه العملية أو تبعات تأثيراتها على جسم ونفسية وصحة الإنسان.
وقالوا بأن ارتفاع الوفيات من "المحتمل" أن يكون نتيجة لبقاء العوامل المرتبطة بالسمنة والرافعة أصلاً لمعدلات الوفيات بينهم، لدى هؤلاء الذين خضعوا لهذه العملية ومشقات إجرائها وتبعاتها، مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري واضطرابات الكوليسترول والتدخين.
وبعد كل الدعايات التي تملأ الصحف وغيرها والتي يراها المرضى ويستسلمون لأحلامها الوردية بأن العملية هي الحل السحري لمشكلة السمنة، فإن الأسئلة البديهية والبريئة التي يطرحها أي إنسان عادي عند قراءة هذه النتائج وهذه التعليلات، هي من نوع:
إذا كانت لا تزال العوامل هذه مسيطرة بالضرر ورفع الوفيات على هؤلاء المرضى حتى بعد إجراء العملية لهم، لماذا ننصحهم بإجرائها؟
كيف يُقال بأن هذه العوامل لا تزال ناشطة ومُؤثرة على صحة المرضى بعد إجراء العملية والدراسات السابقة الرنانة قالت منذ سنوات إن العملية تُقلل بنسبة 50% من عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية؟
ثم أبعد كل عناء إجراء العملية الجراحية والمعاناة في المرحلة التالية لها، والتي تفرض على الكثيرين طلبهم من الأطباء إعادة الحال لسابقه في بطونهم، يُقال إن الواجب العودة إلى اتباع الحمية وممارسة الرياضة وتخفيض الوزن؟ أليس هذا هو ما كان الأطباء دوماً ينصحون الناس به بديلاً عن اللجوء إلى إحداث تغيرات دائمة أو مؤقتة في بنية وعمل الجهاز الهضمي؟
وأضاف الباحثون القول بأن كل الجهود يجب أن تُوجه إلى عدم إعادة الزيادة في الوزن عبر اتباع الحمية وممارسة الرياضة! وأن الدعم النفسي مهم لمعالجة الاكتئاب والوقاية من الإقدام على الانتحار!. وهو ما لا يحتاج إلى تعليق البتة.
العملية الجراحية أو الحميةوالأدهى هو ما قاله الباحثون إنه من "المحتمل" أن يكون للاستمرار في المتابعة الطبية لضغط الدم والسكري والكوليسترول أثر في خفض الوفيات الزائدة بين منْ أُجريت لهم العملية. والسؤال العلمي الطبي: ما الدليل على ذلك؟ ولماذا لا يُلقى، ولو بشيء من اللوم على العملية الجراحية؟
وكانت مجلة نيوأنغلاند الطبية قد نشرت، في عدد 24 مايو الماضي، مقالة أشبه بالمراجعة للدكتور إيريك دي ماريا، من مركز جامعة ديوك لعمليات المعدة للتخسيس في ديورهام بالولايات المتحدة، حول عمليات المعدة. وقال فيها إنه لا تُوجد دراسات عشوائية واسعة للمقارنة بين العمليات التي تُجرى حالياً للمعدة وبين العلاج الطبي غير الجراحي للسمنة الشديدة. والدراسة الوحيدة المتوفرة تم إجراؤها في السويد، وشملت حوالي 4 آلاف شخص، نصفهم خضع للعملية ونصفهم الآخر للحميات وغيرها من الوسائل غير الجراحية. ودون الخوض في الفروق في نقص الوزن بين كلا الوسيلتين، التي من المعلوم انخفاضها السريع بعد العملية دون الحمية، فإن ما قيل فيها أن الجراحة، وخلال العامين الأولين، قللت بنسبة 77% من حاجة مرضى السكري لعلاجاتهم، ونفس الشيء لدى 88% ممن لديهم ارتفاع الكوليسترول، وكذلك لدى 66% من مرضى ارتفاع الضغط. وأن النتائج أقل من هذا بعد عشر سنوات من المتابعة.
لكن المهم هو قوله انه لم يتم بشكل واضح التوصل إلى أن العملية الجراحية تُقلل الوفيات، مقارنة بالعلاج غير الجراحي للسمنة. والأمر هو: إن كانت كل هذه المؤشرات المرضية المرتبطة بالسمنة تحسنت بعد العملية، لماذا لا تبدو الوفيات أقل بنفس الكمية لديهم؟
تجارة العلاج والأشد مرارة هو ما قاله الدكتور ميتشل روزلاين، كبير جراحي السمنة في مستشفى لينوكس هل في نيويورك: خوفي هو من أن نتائج هذه الدراسة ستُستخدم من قبل شركات التأمين في محاولة للحد من تغطية إجراء عملية المعدة! وكأن الهم هو ما بين الجراحين وشركات التأمين من مستحقات أو أرباح مالية، وليس ذلك الالتزام الأدبي الطبي الراقي، والمبني على أمانة الخدمة، بعيداً عن المنفعة المادية بين الأطباء ومرضاهم!.
والواقع أن الوسط الطبي قد ملّ من التسويق التجاري العشوائي للوسائل العلاجية، خاصة الجراحية منها في الجانب التجميلي السريع، على حساب أشياء أهم. والأدلة كثيرة على أن ثمة صراعات بين شركات التأمين وبين مراكز إجراء عمليات المعدة للتخسيس.
ولعل من أقربها هو تلك الدراستان اللتان صدرتا في عدد 23 أغسطس الماضي لمجلة نيوأنغلاند الطبية، التي قال الباحثون فيهما، من الولايات المتحدة ومن السويد: إن عمليات المعدة حينما تُجرى لمن مؤشر كتلة الجسم لديه تتجاوز 34، فإنها تُقلل من الوفيات بنسبة تتراوح ما بين 29 إلى 40%، خلال ما بين 5 إلى 11 سنة من المتابعة بالمقارنة مع منْ يبقون على أوزانهم العالية.
وهو ما علقت عليه الدكتورة أنيتا كوركولاس، رئيسة الجراحة المحدودة التدخل للمعدة في كلية بيتسبيرغ للطب، من أنه وفي السنوات الخمس الماضية تُوجد حركة، من قبل شركات التأمين، تضع العراقيل لمنع المرضى من الحصول على علاج جراحة المعدة للسمنة. في إشارة منها إلى الإشكالية المتمثلة في عدم توفر أدلة صلبة على أن تلك الجراحة تُقلل من الوفيات برغم خفضها الشديد للوزن.
مشورة الطبيب وبالرغم من اعتراف الدكتور تيد أدمز، الباحث الرئيس في الدراسة الأميركية، من أن نسبة السكري قلت بمقدار 92%، وأمراض شرايين القلب بنسبة 56% والسرطان بنسبة 60%، إلا أنه لا تزال، على حد قوله، ثمة مخاطر طويلة الأمد بسبب الفقد السريع للوزن، مثل ارتفاع حوادث الإصابات والأمراض النفسية والإدمان.
وهو ما دفعه منصفاً القول بصراحة في نصيحته للمرضى، إن من الواجب إجراء الاستشارة الطبية بعمق مع الطبيب للتأكد من أن العملية الجراحية هي الحل المناسب لحالة السمنة لدى الإنسان. وهذا هو مربط الفرس في شأن السمنة وعمليات المعدة برمته.
والحقيقة أن ما يُقال من قبل البعض في الوسط الطبي من أن المشكلة في شركات التأمين أو غيرها هو أقل ما يُقال عنه كلام غير واقعي، لأن الإرشادات الطبية الصارمة في عدم تعريض الناس لهذه العملية إلا عند الضرورة وعند عدم وجود أي حل آخر، إنما هي لحماية المريض ولإعطائه آمالاً واقعية عن نتائجها.
والعملية بذاتها ليست هي ما يُزيل الوزن الزائد، لأن المريض يدخل ويخرج من غرفة العمليات بنفس الوزن، لكن الجهد والعبء هو ما بعدها. والعملية، بكلام مجرد، هي أشبه بقفل الفم ومنع دخول الطعام إلى المعدة ، إلا بكميات قليلة جداً منه.
أي أنها تعمل على إجبار من لا يستطيع منع نفسه من الأكل، ألا يدخل إلا القليل من الطعام إلى معدته. وهذا كله بثمن المعاناة مما لم يستطع عليه المرء طواعية، وبالتعرض للجراحة ومخاطرها، وبمواجهة احتمالات آثار صحية ونفسية لنقص الوزن بشكل سريع ولتغيرات في بنية وهيئة الجهاز الهضمي.
لمن تُجرى عمليات المعدة لتخسيس الوزن؟
تختلف من مكان لآخر درجة اتباع المعايير الطبية التي وضعتها الهيئات الطبية العالمية لصفات وحالات منْ تُجرى لهم أحد أنواع وطرق عمليات المعدة لتخسيس الوزن. والأمر في أماكن دون أخرى، أصبح خاضعاً لقواعد الأسواق التجارية في الإغراء بالعرض ولهفة الطلب، دون مراعاة للضوابط الطبية.
ومعظم الإرشادات الطبية تتبع اللوائح التي وضعتها في عام 1991 المؤسسة القومية للصحة في مؤتمرها حول الإجماع التطويري الطبي آنذاك، التي خلصت إلى أن إجراء العملية هو لمرضى السمنة ممن يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم 40% وما فوق. أي من لديهم سمنة مفرطة بالتعريف الطبي. والمعلوم أن حساب مؤشر كتلة الجسم يتم بقسمة الوزن بالكيلوغرامات على ناتج مربع طول الجسم بالمتر. وكذلك لمن مؤشر كتلة جسمهم 35 وما فوق ولديهم أيضاً إحدى المشكلات الطبية المُصاحبة.
وهو ما تبنته المؤسسة القومية للقلب والرئة والدم في إرشاداتها حول معالجة السمنة الصادرة عام 1998. وما تتبناه حالياً مؤسسة تحسين الأنظمة الإكلينيكية بالولايات المتحدة والمجمع الأميركي لعمليات المعدة لتخسيس الوزن، والرابطة الأوروبية لجراحات المناظير، وغيرها من الهيئات العالمية.
وتتبنى رابطة الطب الباطني الأميركية إرشادات أكثر صرامة، من أهمها أن يكون مؤشر كتلة الجسم 40 وما فوق وأن تُصاحب ذلك إحدى الحالات المرضية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو اضطرابات الكوليسترول.
وكلها متفقة على أن السماح بالعملية، حتى مع توفر هذه الشروط، لا يكون إلا بعد أن تكررت محاولات المريض لتخفيف وإنقاص وزنه بالحمية وبممارسة الرياضة. وأن يكون خالياً من أي اضطرابات مرضية نفسية أو جسدية تمنع من إجراء أي عملية من عمليات المعدة له، وأن يتم تأمين متابعته الصحية من قبل مجموعة طبية متنوعة الاختصاصات، وأن يُجري العملية جراح متمكن.