تلاوة الصائم
د. عائض القرني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
وآله وصحبه وبعد.
فالقرآن الكريم يحب رمضان، ورمضان يحب القرآن الكريم، فهما صديقان حبيبان. قال تعالى:
«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» (البقرة: من الآية 185).
* نزل القرآن الكريم كله إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ في رمضان، وبشّر هذا الشهر بنزول هذا الكتاب فيه، ولذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتدارس القرآن الكريم مع جبريل ـ عليه السلام ـ في رمضان، يسمعه ويتدبره، ويتلوه ويتأمل عبره، ويعيش أنداءه، ويسرّح طرف القلب في خمائله،
ويطلق كفّ الحُب في كنوزه.
· إن الصائم القارئ يؤلّف في صيامه بين رمضان وبين القرآن الكريم، فيعيش هذا الشهر مع هذا الكتاب العظيم الذي قال الله فيه:
· «كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ» (ص:29)،
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (محمد:24)،
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً»(النساء:82).
* القرآن الكريم في رمضان له طعم ومذاق، وله إيحاءات خاصة ودلالات من نوع آخر.
* القرآن الكريم في رمضان مخضلّ الأنداء، معطّر النسمات، شذيّ الأنفاس.
* القرآن الكريم في رمضان يعيد ذكرى نزوله، وأيام تدارسه، وأوقات اهتمام السلف به.
صحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال:
«اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».
وقال ـ صلى الله عليه وسلم:
«خيركم من تعلم القرآن وعلّمه».
وقال ـ عليه الصلاة والسلام:
«اقرؤوا الزهراوين؛ سورة البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان كغمامتين أو غيايتين، أو كفرقين من طير صوافّ تظلّان صاحبهما يوم القيامة».
وقال ـ عليه الصلاة والسلام:
«الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه له أجران».
* سمعتك يا قرآن والليل غافل - سريت تهزّ القلب سبحان من أسرى
* فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها - وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرا
* كان أسلافنا إذا قدم رمضان فتحوا المصاحف وحلوا وارتحلوا مع القرآن الكريم.
ثبت عن الإمام مالك أنه كان في رمضان لا يتشاغل إلا بالقرآن الكريم، وكان يعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس، ويقول: شهر القرآن الكريم.
* بيوت سلفنا كان لها في رمضان خاصة دويٌّ كدويّ النحل، تشعّ نوراً، وتُملأ سعادة، كانوا يرتّلون القرآن ترتيلاً، يقفون عند عجائبه ويبكون عند عظاته، ويفرحون ببشارته، ويأتمرون بأمره، وينتهون بنهيه.
صحّ أنّ ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قرأ على رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول سورة النساء، فلما بلغ قوله تعالى:
«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً» (النساء:41)
قال له ـ عليه الصلاة والسلام: «حسبك الآن». قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان.
إنه المحب سمع كلام حبيبه فبكى:
* إذا اشتبكت دموع في خدود - تبيّن مَن بكى ممّن تباكى
* فأمّا من بكى فيذوب وجداً - لأن به من التقوى حِراكا صحّ عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه استمع لأبي موسى ـ رضي الله عنه ـ ثم قال له:
«لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود»،
فقال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع لي لحبّرته لك تحبيراً. والمعنى: لجمّلت صوتي أكثر وأكثر، فجعلت القرآن الكريم به أكثر تأثيراً وروعةً وجمالاً.
كان عمر ـ رضي الله عنه ـ إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكِّرنا ربَّنا، فيندفع أبو موسى يقرأ بصوته الجميل وهم يبكون:
* وإني ليُبكيني سماع كلامه - فكيف بعيني لو رأت شخصَه بَدَا
* تلا ذكر مولاه فحنّ حنينه - وشوق قلوب العارفين تجددا
* لما فسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجّة، والفطرة معكوسة، والأفهام سقيمة.
* لما استُبدل بالقرآن الكريم غيرُه حلّ الفساد، وكثر البلاء، واضطربت المفاهيم، وفشلت العزائم.
* القرآن الكريم مهمته هداية الناس
إلى طريق الله المستقيم.
* القرآن الكريم نور وشفاء لما في الصدور،
وعلم وثقافة ومعرفة وبرهان.
* القرآن الكريم حياة وروح، وإنقاذ وسعادة،
وأجر ومثوبة.
* القرآن الكريم تعاليم ربانية، ودستور إلهي،
وحكمة خالدة.
* فهل لنا أن نعيش مع القرآن الكريم في رمضان وفي غير رمضان؟ وهل لنا أن نعرف عظمة القرآن الكريم؛ فنملأ حياتنا سعادة بالقرآن الكريم، ونوراً بالقرآن الكريم، وإشراقاً مع القرآن الكريم؟ هل لنا أن نفعل ذلك؟