عاصي مع مدير أعماله ماجد الحلاني قبيل صعوده إلى المسرح
لم يكن الفنّان عاصي الحلاني على طبيعته وهو يجلس في الكواليس قبيل ساعة من وقوفه على خشبة مهرجان جرش، بدا وكأن أصداء حفلي الفنانين هاني شاكر ولطيفة تؤرقه، خصوصاً بعد ما أشيع عن أنّ حفل لطيفة باع ما يقارب الثلاثين بطاقة اضطر بعدها المنظّمون إلى فتح الأبواب على مصراعيها للجمهور الذي دخل مجاناً لملأ المدرّجات، ولم يكن الفنّان هاني شاكر بأفضل حال، مع بيعه 260 بطاقة قبل أن يتم ملء المدرّجات بالجمهور الذي كان حاضراً لسدّ الفراغ.
فابتداءً من الساعة السّابعة بدأ الجمهور يتوافد إلى المسرح الجنوبي لانتظار الحلاني، خصوصاً أنّ المسافة من عمّان إلى جرش بدت أطول مع الحفريات وتحويل خطّ السّير على أكثر من طريق.يراجع كلمات أغنيته الجديدة
في الساعة التاسعة وصل عاصي وبقي في الكواليس، سألناه عن سبب وجومه، أجاب بأنّه شعور طبيعي قبل أي مهرجان أو حفل كبير، غير أنّ الأجواء المحيطة به كانت تؤكّد أنّ سبب قلق عاصي هو ما سرّب إليه عن أنّ حفله باع 600 بطاقة فقط، في مدرج يتّسع لخمسة آلاف متفرج.
عند الساعة الحادية عشر كانت نصف المدرّجات قد امتلأت، وكان الجمهور يصرخ مطالباً بعاصي الذي وقف يدندن لحناً قبل دخوله إلى المسرح، الذي امتلأ تصفيقاً ما أنّ أطلّ منشداً أغنية أعدّها خصيصاً للأردن، حيثّ تعانق العلمان اللبناني والأردني على خشبة المسرح، وخاطب عاصي الجمهور متمنياً أن تزال كل الحواجز بين الشعوب العربيّة.
"باب عم يبكي" كان الجمهور يصيح منذ دخول عاصي إلى المسرح، تهرّب في البداية من تلبية رغبة الجمهور، فقد بدا صعباً عليه غناء الأغنية ولم يمر بعد شهران على وفاة والدته، لكن أمام إلحاح الجمهور، غنّى عاصي بصوت مخنوق، حاول مغالبة دموعه التي انهمرت وأبكت كل الحاضرين في المسرح، وأنشد مقطعاً جديداً أضافه على الأغنية، وكان الجمهور يسارع إلى إنقاذه كلما خنقته الدموع، لينشد مكانه كلمات الأغنية المؤثرة. جوّ من السكون والتأثّر خيّم على المكان، قبل أن يطالب الجمهور عاصي بإعادة الأغنية، ولبّى الفنّان طلب جمهوره، ثمّ انتقل إلى أغانيه الجديدة قائلاً "فلنخرج قليلاً من جو الحزن"، واعداً بإعادة الأغنية في نهاية السهرة، وبالفعل ودّع عاصي جمهوره على إيقاع الأغنية التي غادر على أثرها المسرح وعلامات الارتياح بادية على وجهه.
وكان لافتاً امتلاء المدرّجات في منتصف الحفل، أي بعد الثانية عشر ليلاً، بعد أن فتح المدرّج كما في الليلتين الماضيتين أمام الجمهور.
عاصي على مسرح جرش
فما سبب قلّة الحضور مقارنة بالحفلات التي أحياها عاصي في جرش قبل سنوات؟ ولماذا تكرّر الأمر في الحفلات الأولى للمهرجان مع ثلاثة من أهم فناني العالم العربي؟ وهل كان لتلزيم فعاليات المهرجان إلى شركة خاصّة أثر على ضعف إقبال الجمهور؟
أسئلة حملناها إلى إدارة مهرجان جرش، التي ردّت مصادر مقرّبة منها أسباب ضعف الإقبال إلى عدّة أمور أوّلها الانتخابات البلديّة التي تجري اليوم في الأردن، والتي تزامنت مع صدور نتائج الثانويّة العامّة، فضلاً عن الأجواء المتوتّرة في الأراضي الفلسطينيّة، والتي منعت عرب 48 من القدوم إلى جرش الذي يشكّلون النّسبة الأكبر من جمهوره.
وأكّدت إدارة المهرجان أنّ ثمّة حفلات بيعت معظم بطاقاتها قبل أسابيع من موعدها مثل حفل كاظم الساهر وحسين الجسمي ونانسي عجرم، مع نسبة مبيعات كبيرة جداً لحفل الفنّانة نجوى كرم وحفل الفنان ماجد المهندس.
وأكّدن مصادر المهرجان أنّه من المبكر الحديث عن مستوى المهرجان هذا العام أم الحكم عليه، خصوصاً أنّ الحفلات تزامنت مع ظروف استثنائيّة، مؤكّدة أن الوضع سيتحسّن في الأيام المقبلة.
ومع ما دار في الكواليس عن شكوى بعض الفنّانين من ضعف الدّعاية المرصودة لحفلاتهم في جرش، توجّهنا بالسؤال إلى السيّد محمود أبو زيد، مدير شركة "الجسر الذّهبي"، التي تتكفّل بتنظيم فعاليّات المهرجان هذا العام، فأوضح أنّ شركته قامت بتوزيع أكثر من 150 بانوه دعائي لكل فنّان في الأردن، فضلاً عن الدعايات على التلفزيون، والتي تسبق الحفل بخمسة أيام، وأكّد أنّ الشركة أرسلت 18000 رسالة قصيرة إلى مشتركي الهاتف الخلوي، بعد ان تمّ اختيار شريحة الشباب التي تهتم بالمهرجانات الفنيّة، كنوع من الدعاية للحفلة.
فماذا يقول عاصي عن حفله؟
عاصي بعد الحفل لم يكن كعاصي قبله، فقد بدا سعيداً لتجاوب الجمهور معه، وخصّ "إيلاف" بحديث قصير على الرغم من التعب الذي كان بادياً عليه بعد ساعة ونصف من الغناء المتواصل، أبادره إلى سؤاله:
هل وجدت صعوبة في أداء أغنية "باب عم يبكي" وأنت تمر في هذه الظروف الصعبة؟
إذا كنت تقصدين أمّي، بالنهاية هذه سنّة الحياة والموت حق.
*المقطع الجديد من الأغنية، غنّيته لوالدتك؟المقطع كان ضمن القصيدة، وهي قصيدة طويلة جداً اختصرت منها عندما سجّلتها، وبالمناسبة القصيدة كتبت منذ 35 سنة، لكن عندما كنت أسجّلها كانت والدتي في العناية الفائقة، كانت في مرحلة الكوما، الأغنية ليست مكتوبة للتعبير عن حالة موت، لكن صودف تسجيلها مع مرض الوالدة رحمها الله ووفاتها، وأصبح هناك ترابط بين الأغنية ووفاة والدتي.
*الكثيرون بكوا تأثراً هذه الليلة، هل شعرت بالعزاء معهم؟
محبة الناس أكبر عزاء بالنسبة لي، حضورهم يعني لي الكثير، خصوصاً تفاعلهم مع أغنياتي ومشاركتهم لي، كانوا يعبرون لي عن محبتهم، وهذه أفضل نعمة منّ بها الله عليّ.
* لفتني أنّ الجمهور الأردني كان يطالبك بأغان قديمة، ما يؤكّد وفاءه لتاريخك؟نعم طلب مني الجمهور أغاني "الهوارة" وأغنية "يا عاصي" كما طالبني بالأغاني الجديدة، من ألبومي الأخيرة. أرشيفي كبير جداً أستطيع من خلاله أن أملأ وقتاً طويلاً على المسرح، أنا أعتقد أنّ الفنّان ليس أغنية واحدة، فإذا كان لديه تاريخ طويل، لا يستطيع الناس الحكم عليه من خلال أغنية ناجحة أو أخرى دون المستوى. جمهوري الذي يحبّني ويرافقني ينتمي إلى أكثر من جيل، عمري اليوم 36 سنة وقد بدأت في سن مبكر، وأفرح عندما يقول لي شاب أنه يتابعني منذ عشر سنوات، كما أفرح عندما أجد أنّ الشباب يقلّدونني في مظهري، أو عندما يغني فنانون شباب لوني أو يقلّدون الستايل الذي قدّمته للناس، أفرح جداً لأنّ هذا دليل على نجاحي وعلى أنّي قدّمت بصمة مهمة في عالم الفن.
*حفل جرش كان من المحطّات الهامة التي انتظرها جمهورك هذا الصيف، هل كان الحفل بالمستوى الذي توقّعته؟
الاستعراض الذي أردت أن أقدّمه قدّمته بالفعل، والجمهور تفاعل معي الحمد لله، كنت فخوراً جداً بالحفل وغنيت من قلبي وكان هذا الأمر بادياً علي.
*هل شعرت أنّك مغبوناً فيما يتعلّق بحجم الدعاية المرصودة لحفلك؟
سئلت أمس في المؤتمر الصحفي عن الدعاية، وعلّق البعض عن أنها كانت ضعيفة، وقلت أنّ المهرجان موعد سنوي هو بحد ذاته دعاية، ربما من المفترض أن تكون أكبر لكني لست غاضباً من حجم الإعلان الذي رصد لي.
*لو كانت الدعاية أكبر، هل كان الناس عرفوا بالحفل وقدموا بأعداد أكبر؟
كما قلت لك أنا سعيد جداً ولا أريد أن أدخل في موضوع الأرقام والناس، فقد كنت أحيي ثلاث حفلات متتالية في جرش قبل سنوات، وكانت كلها تتكلل بالنجاح، لكن لا تنسي أن ثمّة ظروف تمرّ على المنطقة العربيّة تجعلنا نحمد الله على أننا لا نزال ننظّم مهرجانات، فالمشكلة في لبنان تنعكس على كل المنطقة فضلاً عن المشكلة في العراق وفلسطين، الوضع متأزم في المنطقة، كما أنّ المشاكل الفلسطينية حالت دون قدوم الفلسطينيين إلى المهرجان لذا أقول الحمد لله أننا لا نزال نستطيع الغناء. الحرب الباردة في المنطقة أصعب من حرب المدافع، كذلك الحرب الاقتصاديّة، فضلاً عن حالة الإحباط الذي تسلّل إلى أبناء العالم العربي، أنا اليوم حاولت أن أزرع بعض الفرح في نفوس الناس وأتمنّى أن أكون قد نجحت في مسعاي، فالوضع متأزم جداً وقد قمت بإلغاء كل حفلاتي في لبنان فضلاً عن إلغاء حفلي في مهرجان بعلبك للسنة الثانية على التوالي بسبب الظروف الأمنيّة رغم التحضيرات التي استغرقت سنتين، كما ألغينا السنة الماضية فعاليات مهرجان جرش الذي كنت سأشارك فيه بسبب الحرب على لبنان فضلاً عن استمرار سقوط القتلى الأبرياء يومياً في العراق وفلسطين، هذه الأمور تدفع الناس إلى العزوف عن الحفلات، لذا دعينا لا نضع اللوم على الدعاية وأنا أرى ليلتي من أجمل الليالي وأعتبر أنّي قدّمت عملاً أفخر به.